الاستاذ السيد جعفر سيدان الخراساني
آية التوحيد:
قال تعالى: {هُوَ الأول وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عليمٌ}[1].
هذه الآية المباركة من جملة الآيات المهمة في التوحيد ولابدّ من البحث عنها بدقة وقد جاءت في تفسير هذه الآية روايات كثيرة من الأئمة الأطهار^, وهنالك تفاسير ذكرها العلماء لابدّ من ملاحظتها.
أهميّة الآية:
حول التوحيد الإلهي هنالك ستة آيات في أوّل سورة الحديد والتي تكون الآية سابقة الذكر احداها, نشير إلى حديثين يؤكدان إنَّ أهميّة هذه الآيات المباركة.
1ـ قال القميّ في تفسيره للآيات الأولى من سورة الحديد هو قوله صلي الله عليه وآله: >أعطيت جوامع الكلم<[2].
مع ملاحظة هذا الحديث والحديث الآتي, يعلم إنّ سورة الإخلاص والآيات الأوائل الست من سورة الحديد هي جوامع الكلم، يعني الجامعة والشاملة لكلّ كلام حول التوحيد.
2ـ عن عاصم بن حُمَيد قال : قال الإمام الصادقA: إنّه سئل الإمام السجاد× عن التوحيد فقال: >إنّ اللَّه عزّوجلّ علم أنّه يكون في آخرالزمان أقوام متعمقون، فأنْزل اللَّه تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والآيات من سورة الحديد إلى قوله : {عليمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} فمن رام وراء ذلك فقد هلك»[3].
فعلى أساس هذا الحديث لو تمسك شخص في مباحث التوحيد بغير سورة التوحيد وهذه الآيات من سورة الحديد, ولم يكن تفكيره العلمي واعتقاده موافقاً لهذه الآيات, ولم يجعل من هذه الآيات معياراً وميزاناً له (في فهم التوحيد) فقد هلك.
ذم أم مدح !
هل إنّ هذا الحديث يذم التعمق أم إنّه يمدح أهل التعمق؟
1- فقسم يقول: إنّ الحديث لا يتضمن مدحاً ولا ذماً بل الحديث يدل على مجرد الحكاية عن إنّ قسماً من النَّاس سوف يأتون ويكونون كذلك.
2- ويقول البعض: إنّ الحديث في مقام مدح أولئك.
3- ويعتقد البعض الآخر: إنّ الحديث في مقام مذمة المتعمقين.
إنّ ظاهر هذا الحديث هو المنع عن التعمق في مسائل التوحيد والإكتفاء بالنصوص (الواردة فيه)[4].
ويطرح المرحوم المجلسي في مرآة العقول ثلاثة إحتمالات حول هذا الحديث:
1- إنّ مراد الإمام من قوله >متعمقون< يعني أولئك الذين يفكرون عميقاً.
2- المراد هو أن يجتنبوا التدقيقات العقلية (حول الذات الإلهية) وأنْ يكتفوا بمعرفة اللَّه سبحانه التي جاء بيانها من اللَّه عزّوجلّ[5].
3- المراد هو أنْ يكون لهم معيار حتَّى يعرضوا أفكارهم (وعقائدهم) عليه من أجل أنْ لا يزلوا ولا يخطأوا.
ثُمَّ قال بعد ذلك إنّ الأظهر أوسط الإحتمالات[6].
والشواهد دالَّة على إنّ هذا الحديث يدل على ذمّ المتعمقين لا مدحهم.
الشاهد الأول:
لغة الحديث حيث قال: «علم أنّه يكون في آخرالزمان أقوام متعمقون» ليست لغة المدح وإلاّ لمْ يعبر عنهم بقوله>أقوام< بل لابدّ من التعبير بعبارة الأولياء وعلماء الحق وإخواﻧﻰ و … كما نجد إنّه (ص) عبر (في موارد أخرى) بذلك فهنالك نماذج متعددة في الروايات كما في حجّة الوداع حيث عبر النبيّ (ص) عن مؤمني آخرالزمان مخاطباً أصحابه: >أنتم أصحابي وأولئك أخواﻧﻰ … < وهذه هي لغة المدح.
على كلّ حال فليست هذه اللغة واضحة في المدح بل الذي يظهر لنا هو العكس خصوصاً بقرينة ذيل الحديث «فمن رام وراء ذلك فقد هلك».
فالذي يبدو بنظرنا إنها من الشواهد المؤيدة لما ذكرنا مضافاً لما سيأتي من الشواهد الأخرى.
الشاهد الثاﻧﻰ:
لقد جاء في كلمات أميرالمؤمنين عليA القصار:
«الكفر على أربع دعائم على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق»[7].
وهذه الصفات الأربع من شعب الغلو.
وعلى هذا، فإحدى أسباب الكفر – بمعنى إبطان الحقيقة وإخفائها – هو التعمق والذي يجر إلى الهلاك أحياناً وجاء في كلام الإمامA بعد ذلك «فمن تعمق لم يُنِبْ إلى الحقّ»[8].
وكذلك يقولA في خطبة همام في وصف المتقين: «ولامتكلف ولا متعمق»[9].
وعلى هذا فالتعمق – خصوصاً في ذات اللَّه جلّ وعلا – ليس هو من صفات المؤمنين ولذا فالمتعمقون لا يمكن أنْ يكونوا ممدوحين.
الشاهد الثالث:
هذا الشاهد أقوى من الشاهد الثاﻧﻰ من جهة وهو ما يرتبط بإحدى خطب أميرالمؤمنينA حول الراسخين في العلم.
«واعلم إنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم اللَّه عن الإقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا}[10], فمدح اللَّهq إعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً وسمّى تركهم التعمق في ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخاً, فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة اللَّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين»[11].
مع ملاحظة هذه الشواهد الذي يبدو في النظر إنّ الحديث في مقام ذم التعمق, إذن ينبغي بل يلزم الباحثين في المباحث الإعتقادية – بعد إعتقادهم بأصول الدين من خلال البراهين العقلية – أن يتقبلوا إرشادات القرآن والأئمة الأطهار ^(بكامل التسليم) وأنْ لا يتجاوزوا حدود أحاديثهم: (الذين هم المفسرون الحقيقيون لكلام اللَّه جلّ وعلا) وأنْ يكون محل همهم هو (التعقل في الوحي)[12], وذلك فإنّه بواسطة نوركلام مُحمَّد(ص) يمكن أنْ ترفع كلّ الحجب الظلمانية والوصول إلى بحار أنْوار الذات السبحانية فإنّهم المأمورون لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور قال تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاس مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّور}ِ[13].
أقول: (لا طريق إلى الوصول إلى الذات السبحانية مطلقاً, المترجم) .
ومع وجود أحاديثهم التي تشق للبشرية طريق الهداية فإنَّ طلب الحقيقة والهداية من غير كلماتهم بمنزلة الاقتحام في الظلمات.
الروايات:
لا يخفى إنّ أحسن طريق لفهم القرآن الكريم هو الرجوع إلى أهل الذكر والراسخين في العلم وهم الأئمة المعصومون^فمن اللازم والمناسب أنْ نرجع أوّلا إلى الأحاديث الواردة حول ذلك وأنْ نأخذ القرآن من العالِمين بالكتاب الإلهي والمعارف الربانيّة.
الحديث الأول:
يقول ابن أبي يعفور سألت الإمام الصادق× عن قول اللَّه جلّ وعلا: {هُوَ الأول وَالْآخِرُ} وقلت له لقد علمنا إنّ اللَّه جلّ وعلا هو الأول وأما الآخر فما هو تفسيره؟[14]
فقال الإمام×: >إنّه ليس شيء الاّ يبيد أو يتغيّر أو يدخله التغيّر والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ومن هيئة إلى هيئة ومن صفة إلى صفة ومن زيادة إلى نقصان ومن نقصان إلى زيادة إلاّ ربّ العالمين، فإنّه لم يَزل ولايزال بحالة واحدة، هو الأول قبل كلّ شيء وهو الآخر على ما لم يزل ولا تختلف عليه الصفات والأسماء كما تختلف على غيره مثل الإنسان الّذي يكون تراباً مرّة, ومرّة لحماً ودماً, ومرّة رفاتاً ورميماً وكالبسر الّذي يكون مرّة بلحاً ومرّة بسراً ومرّة رطباً ومرّة تمراً فتتبدل عليه الأسماء والصفات واللَّه جلّ وعزّ بخلاف ذلك<[15] .
يبيّن لنا هذا الحديث إنّ كلّ ما في عالم الخلقة فهو في معرض التغيّر والإنتقال من حالة إلى أخرى, وكلّ ما هو موجود في عالم الطبيعة فإنّه دائماً في حالة تغيّر من حيث الشكل واللون والحال، ففي زمان تجده يزداد وتارة أخرى يتناقص.
لكن الذات الإلهية المقدسة على حالة واحدة لا تتبدل ولا تتغيّر ولا يؤثر فيها مضي الزمان ومستقبله (ولا يخفى إنّ الزمان والمكان لا علاقة لهما باللَّه جلّ وعلا إلاّ من حيث الخالقية والمخلوقية, وبعبارة أخرى فإنّ اللَّه جلّ وعلا لا زمان له ولا مكان بل هو فوقه).
ثُمَّ يوضح الإمام× بعد ذلك الآية المباركة فينفي عن اللَّه جلّ وعلا كلّ أنواع التغيّر والتبدل ويبيّن إنّها ذات أحدية أزلية وأبديّة.
أقول: (بمعنى أنْ لا زمان له ولا قبل ولا بعد, لا بمعنى أنْ يكون زمن وجوده غير متناه, المترجم).
كما وإنّه يمكن أنْ يستفاد من كلام الإمام× التباين الحقيقي والذاتي بين الخالق والمخلوق بكامل الوضوح.
أقول: ( بمعنى إنَّ ما سواه أشياءٌ متجزية مخلوقة بكلِّ وجودهم وكمالاتهم لا بمعنى أنَّها تعينات ذات الله تعالى كما هو رأي الفلاسفة, حيث يقولون إنَّ الاشياء من حيث تعيناتها غير الله تعالى وأما من حيث وجودها وكمالاتها فهي ليست شيئاً غير الله تعالى وإلا يلزم تحديد ذات الله! المترجم).
وهنا يرد إشكال (من باب الفرض) في الأذهان وهو إنّ أهل الجنّة والنّار سوف يبقون فيهما دائماً , فهل يكون معنى الآخر بالنسبة للَّه جلّ وعلا منطبقاً على دوامهما ؟ وهل إنَّ توصيفهما بالدوام صحيح ؟
يجيب العلامة المجلسي في مرآة العقول على هذا الإشكال الفرضي بعد أنْ وصف هذا الحديث بالصحة بقوله:
(الغرض إنّ دوام الجنّة والنّار وأهلهما وغيرها لا ينافي أخريته تعالى واختصاصها به، فإنّ هذه الأشياء دائماً في التغيّر والتبدل وبمعرض الفناء والزوال وهو سبحانه باق من حيث الذات والصفات أزلاً وأبداً بحيث لا يعتريه تغير أصلاً، فكلّ شيء هالك وفان إلاّ وجهه تعالى)[16].
أقول: ( حيث إنَّ الله تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا مصاحبة الأوقات والأزمان بل هو خالق الزمان والمكان, المترجم).
ثُمَّ يذكر العلامة المجلسي قولاً آخر حول هذا الموضوع ويقول: (وقيل أخريته سبحانه باعتبار إنّه تعالى يفني جميع الأشياء قبل القيامة, ثُمَّ يعيدها كما يدل عليه ظواهر الآيات وصريح بعض الأخبار)[17].
الحديث الثاني:
روى هذا الحديث الذي هو حسن مسنداً عن ميمون البان حيث قال: سمعت من الإمام الصادق× بعد ما سئل× عن أوّلية وأخرية اللَّه جلّ وعلا أنّه قال: «الأول لا عن أوّل قبله ولا عن بدء سبقه, والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين، ولكن قديم أوّل آخر لم يَزل ولا يزول بلا بدء ولا نهاية، لا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال إلى حال، خالق كلّ شيء»[18].
ويقول العلامة المجلسي في توضيحه:
قولهA: >لا عن أوّل قبله< أي سابق عليه بالزمان أو بالعلة >ولا عن بدء< بالهمز: أي ابتداء، أو بديء (على وزن فعيل) أي: علة «لا عن نهاية» أي من حيث الذات والصفات كما مرّ.
وجملة «لا يقع عليه الحدوث» ناظرة إلى الأولية «ولا يحول» ناظرة إلى الأخرية[19].
هذا الحديث يوضح لنا نفس المعاﻧﻰ التي دلَّ عليها الحديثان السابقان، فالإمام× حول كينونة اللَّه جلّ وعلا يقول:
إنّ اللَّه عزّ وجلّ هو الأول يعني لا إبتداء له, لا الأول بالمعنى العددي حيث تقول الأول، الثاﻧﻰ، الثالث، بل إنّ اللَّه جلّ وعلا أوّل حيث لا أوّلية له ولم يسبقه أحد حتَّى يكون له علة ويكون لها معلولاً, واللَّه جلّ وعلا هو الآخر حيث لا نهاية له.
وحينما نتكلم عن الأشياء وإنّ لها أوّلاً وآخراً فإنّ ذلك يكون بمعنى خاص في الذهن من حيث الإبتداء والإنتهاء, وهذا المعنى لا يصدق على الذات الإلهية المقدسة، فحينما نقول الأول يعني لا إبتداء له وحينما نقول الآخر يعني لا إنتهاء له.
أقول: (إنَّ الله تعالى لا تصحبه الأوقات والأزمان وليس له وجود يمتد بامتداد الزمان ولهذا ليس لنا إدراك ذاته بل لنا التصديق العقلي فقط بإنَّه تعالى موجود وشئ بخلاف الأشياء وهو بخلاف كلّ ما يتصور ويتوهم, المترجم).
وكلّما رجعنا إلى الوراء فلا نجد شيئاً يكون سابقاً على الذات الإلهية المقدسة, وكلّما تقدمنا إلى الأمام فلا نصل إلى نهاية له جلّ وعلا، أقول: (كلّ ذلك ليس من جهته إنَّه تعالى مصاحب لجميع الأوقات والأزمان على نحو غير متناه فإنَّ ذلك نفس الاتصاف بالزمان, والله تعالى يجل عن ذلك بل من جهة أنَّه تعالى خالق الزمان والمكان فلا يوصف بالقَبل والبعد والزمان وامتداد الوجود الزماني مطلقاً , المترجم). فهو جلّ وعلا أزلي أبدي لمْ يتغيّر ولا يتغيّر ولا يتبدل ولا يتحول ولا يفنى والتي هي يعني التبدل والتغير … من خصائص المخلوقات التي لا تتطرق للذات الإلهية المقدسة، فالمخلوقات لها أوّل وآخر (بالمعنى الذي يرد في الذهن) إلاّ إنّ اللَّه سبحانه وتعالى ليس مسانخاً للمخلوقات حتَّى يصدق عليه هذان المعنيان (فاللَّه في نفس الوقت الذي هو أوّل وآخر فليست هاتان الصفتان شيئين غير ذاته جلّ وعلا بل هما عين الذات لا غير) فذاته جلّ وعلا لا شباهة لها مع أي مخلوق ولا يشبهه شيء.
وحينما يقول الإمام × >لا يقع عليه الحدوث< فليس معناها إنّه تعالى لا يزيده ولا ينقصه شيء, أو إنّه لم يكن ثُمَّ كان أو إنّه يتبدل من حال إلى حال؛ بل المراد إنّ اللَّه جلّ وعلا خالق كلّ شيء فلا يكون مقهوراً ومخلوقاً لأيّ شيء.
وعلى هذا كما قال العلامة المجلسي جملة لا يقع عليه الحدوث ناظرة إلى قدمه وأزليّته جلّ وعلا وجملة لا يحول من حال إلى حال ناظرة إلى أبديّته جلّ وعلا وإنّه لا يفنى.
الحديث الثالث:
رواه الشيخ الصدوق بسند قوي عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا× إنّه قال: >إعلم علمك اللَّه الخير إنّ اللَّه تبارك وتعالى قديم والقدم صفته التي دلّت العاقل على إنّه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامَّة معجزة الصفة إنّه لا شيء قبل اللَّه ولا شيء مع اللَّه في بقائه, وبطل قول من زعم إنّه كان قبله أو كان معه شيء وذلك إنّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أنْ يكون خالقاً له لأنّه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه, ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا وكان الأول أولى بأنْ يكون خالقاً للأوّل<[20].
وقد جاء في هذا الحديث إنّ اللَّه جلّ وعلا قديم وإنّ هذه الصفة تدلنا على إنّه لم يكن قبل اللَّه جلّ وعلا أو معه شيء يعني إنّ اللَّه جلّ وعلا لم يكن معلولاً لأحد ولا شيء معه.
وإنّ هذه الحقيقة تدرك بالعقل.
وحول مسألة الإمكان والوجوب هنالك استدلال قد أشارت الروايات إليه تارة تصريحاً وأخرى تلويحاً, أقول: (والجدير بالذكر إنَّ برهان الوجوب والإمكان يراد منه عند الفلاسفة معنى ليس بصحيح ومع هذا قد ذكره بعض المتكلمين كالخواجه رحمه الله بمعنى يخالف المعنى الفلسفي فإنَّ المتكلمين يريدون منه نفس الحدوث وذلك إنَّ المتكلمين يقولون إنَّ كلّ ممكن حادث ولكن الفلاسفة ينكرون ذلك, المترجم).
وقد ذكر هذا الإستدلال خواجه نصيرالدين الطوسي بعبارة مختصر وجامعة قال: (الموجود إنْ كان واجباً فهو المطلوب, وإلاّ استلزمه لإستحالة الدور والتسلسل)[21].
وتوضيح الاستدلال: لابدّ من قديم وإلاّ فغير القديم حادث ومحتاج بمعنى إنّه في وجوده محتاج إلى الغير ولو لم يكن محتاجاً للغير لزم الخلف(خلاف الفرض).
وهذا الموجود بالغير – والذي يعبر عنه بالممكن – لو كان مستنداً في وجوده على موجود مثله لزم من ذلك الدور والذي هو باطل عقلاً لاستحالة تقدم الشيء على نفسه.
ولو كان ذلك الموجود الآخر مستنداً في وجوده على موجود ثالث وذلك الثالث على رابع وهكذا إلى ما لا نهاية لزم من ذلك التسلسل والذي هو أيضاً باطل؛ وذلك لأنّه في الحقيقة عبارة عن تحقق المعلول بلا علة.
إذن لابدّ من أن ينتهي إلى موجود قديم أزلي لا مثيل له وخالق كلّ شيء واحد لا شريك له.
وقول الإمام× >ولا شيء معه في ديموميته< نفي لأبديّة ماسوى اللَّه جلّ وعلا؛ وذلك لأنّه ليس من شيء له ديمومة ذاتية غير اللَّه جلّ وعلا, وكلّ موجود إذا قُرّر له البقاء فإنّما هو بإبقاء اللَّه جلّ وعلا, وإذا أراد اللَّه جلّ وعلا إبقاء شيء فهو باق ولا مانع من ذلك (وإن كانت كلّ الأشياء محكومة بالهلاك والفناء) ولا يتنافى ذلك مع أبديّة اللَّه جلّ وعلا، لأنّ اللَّه جلّ وعلا أراد له البقاء. أقول: (إنَّ بقاء المخلوقات يكون من حيث وقوعهم في الزمان بإبقاء الله تعالى ولكنه تعالى لا يكون بقاؤه من حيث الامتداد في الزمان بل هو فوق الزمان والمكان وهو خالق الزمان والمكان فالفارق الحقيقي بين بقاء الخالق والمخلوق ليس هو الإبقاء وحده بل المخلوق موجود زماني وباق بإبقائه تعالى ولكنه تعالى خارج عن الزمان والوجود الزماني فهو موجود بلا زمان ولا مكان, المترجم).
ومن قول الإمام×: >وبطل قول من زعم إنّه كان قبله أو كان معه شيء< نحصل على ملاك ومعيار مهم, فلو كان هنالك شيء قبل اللَّه جلّ وعلا فلا يمكن أْن يكون اللَّه جلّ وعلا خالقاً له بل ينبغي أن يكون ذلك الشيء هو الخالق لا اللَّه جلّ وعلا.
إذن يمكن أنْ يقال انّ صفة القديم لها دلالة عقلاً على عدم وجود قديم آخر غيره جلّ وعلا.
يقول المرحوم المجلسي؛ في ذيل هذا الحديث وكلامه لا يخلو من فائدة:
(لا يخفى إنّه يدل على إنّه لا قديم سوى اللَّه، وعلى إنَّ التأثر لا يعقل إلاّ في الحادث وإنّ القدم مستلزم لوجوب الوجود)[22].
إشكال:
لو لم يكن قديم إلاّ اللَّه جلّ وعلا وكلّ ماسواه حادث فاللازم من ذلك انقطاع الفيض وعلى هذا فلابدّ من القول بأنّه كان مع اللَّه شيء.
الجواب:
هذا الإشكال يرتبط بمسألة القدم والحدوث التي سوف يأتي تفصيل الكلام حولها ولكنا نشير هنا إلى الجواب وباختصار فنقول:
أوّلاً: لو فرضنا إنّه هنالك قديمان أو أكثر فلا معنى للفيض وذلك لأنّ الفرض إنهما قديمان فلا هذا القديم يوصل فيضه إلى ذاك ولا ذاك لهذا.
ثانياً: لابدّ من عدم الموجود مع اللَّه جلّ وعلا حتَّى يتعلق به الفيض أوّلاً وبعد ذلك تتوالي الفيوضات الإلهية ويكون للفيض معنى.
الحديث الرابع[23]:
جاء في الحديث إنّه اجتمعت اليهود إلى رأس الجالوت فقالوا له: إنّ هذا الرجل عالم – يعنون به أميرالمؤمنينA- فانطلق بنا إليه نسأله, فأتوه فقيل لهم: هو في القصر, فانتظروه حتَّى خرج فقال له رأس الجالوت: جئناك نسألك فقال: >سل يا يهودي عمّا بدالك<. فقال: أسألك عن ربّك متى كان؟
فقال الإمام×: >كان بلا كينونية, كان بلا كيف, كان لم يزل بلا كم وبلا كيف, كان ليس له قبل هو قبل القبل ولا غاية ولا منتهى انقطعت عنه الغاية وهو غاية كلّ غاية<.
فقال رأس الجالوت: امضوا بنا فهو أعلم ممّا يقال فيه.
يدل هذا الحديث على إنّ اللَّه جلّ وعلا لا كم له ولا كيف ولا نعلم ما هو, وإنّه لا معنى للقبل والبعد بالنسبة له جلّ وعلا, واللَّه جلّ وعلا كان وهو موجود الآن وفيما بعد, ولا منتهى ولا غاية لوجوده يعني أزلي وأبدي.
الحديث الخامس[24]:
يروي الشيخ الكليني بسند صحيح عن أبي الحسن الموصلي عن الإمام الصادقA أنّه قال: جاء أحد علماء اليهود إلى أميرالمؤمنين× وقال له: يا أميرالمؤمنين متى كان ربّك؟ فقال له علي×: >ثكلتك أمّك متى لم يكن حتَّى يقال متى كان، كان ربّي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ولا غاية ولا منتهى لغايته، إنقطعت الغايات عنده فهو منتهى كلّ غاية<[25].
من هذا الحديث يمكن أن نفهم إنّ الزمان مخلوق للَّه جلّ وعلا ولا معنى لطرح الزمان بالنسبة له جلّ وعلا فهو الأول يعني أزلي وهو الآخر يعني أبدي.
أقول: ( ومعنى الأزلية والأبدية هو تنزه وجوده تعالى من مصاحبة الأوقات والأزمان لا أنْ يكون وجوده تعالى متصف بزمان متناه أو غير متناه, المترجم).
الحديث السادس[26]:ينقل كتاب أصول الكافي وكذلك توحيد الصدوق في باب التوحيد ونفي التشبيه خطبة عن الإمام أميرالمؤمنين× في وصف اللَّه تبارك وتعالى حيث قال×: >الذي ليست له في أوّليته نهاية, ولا في أخريته حدّ ولا غاية, الأول قبل كلّ شيء ولا قبل له, والآخر بعد كلّ شيء ولابعد له<[27].
يدل هذا الحديث على ما بيّناه سابقاً وهو ناطق بذلك المعنى فأوليّة اللَّه جلّ وعلا ليست بالشكل الّذي لو رجعنا إلى الوراء لوصلنا إلى إبتدائها, ولا إنَّه لو تقدمنا إلى الإمام لوصلنا إلى إنتهائها, بل هو أوّل بلا إبتداء وآخر بلا إنتهاء فلا حدّ له لا من جهة الأولية ولا من جهة الآخرية.
أقول: ( والله جل وعلا لا يوصف بزمان مطلقاً ولا تصحبه الأوقات أبداً, المترجم)
الحديث السابع:
روي عن الإمام علي× إنّه قال: >سبق الأوقات كونه والعدم وجوده والإبتداء أزله … <[28].
>ليعلم أنْ لا قبل له ولا بعد له<[29].
يدل هذا الحديث على إنّ اللَّه جلّ وعلا كان قبل الوقت والزمان وهو باق بعد إنتهاء الوقت والزمان وإنّ أزليته سبقت كلّ ابتداء ولا قبل له ولا بعد.
أقول: ( و ليس له وجود مصاحب للزمان ولو فرض الزمان غير متناه, المترجم)
الحديث الثامن:
يروي الإمام الصادق× عن جدّه أميرالمؤمنين علي× إنّه قال في خطبة له:
«وسبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى»[30].
الحديث التاسع:
يروي الشيخ الصدوق باسناده عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر× عن جده الإمام علي× بعد سبعة أيّام من رحلة الرسول الأكرم(ص) بعد ما فرغ من جمع القرآن الكريم خطب×وقال: >الحمدللَّه الذي أعجز الأوهام أن تنال إلاّ وجوده, وحجب العقول عن أنْ تتخيّل ذاته في إمتناعها من الشبه والشكل … إنْ قيل كان فعلى تأويل أزليّة الوجود وإنْ قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم<[31].
فعلى هذا حتَّى مع التعقل في ما جاء به الوحي لا يمكن إدراك كيفية كونه أزلياً وأبدياً؛
أقول: ( إلا بإدراك إنَّه تعالى شيء بخلاف الأشياء وموجود بلا زمان ولا مكان, المترجم)
وذلك لأنّ كلّ ما يدرك العقل فهو محدود (له حجم ومقدار وأجزاء) وليس اللَّه من هذا السنخ أقول: ( بل هو تعالى غير متجزء ولا متوهم بالقلة والكثرة, وأما غيره تعالى فهو بوجوده وعلمه وقدرته وزمانه ومكانه وشكله وصورته وتعيناته مخلوقة لله تعالى لا من شيء, المترجم) وهذا هو المعيار المهم في مسألة التوحيد الإلهي.
الحديث العاشر:
يقول الإمام علي× في جواب من سأله أنْ يصف اللَّه جلّ وعلا: «ولا كان بعد أنْ لم يكن»[32].
من هذا الكلام يعلم إنَّ الموجودات على قسمين:
أ ـ الموجودات التي لم تكن ثُمَّ كانت, وهذا القسم يشمل كلّ الموجودات ما عدا اللَّه جلّ وعلا.
ب ـ الموجود الّذي كان وكان وينحصر في الذات الإلهية المقدَّسة.
الحديث الحادي عشر:
روي عن الإمام الجواد× إنّه كان يقول في قنوت الصلاة:
«اللَّهُم أنت الأول بلا أوّلية معدودة, والآخر بلا أخرية محدودة»[33].
ولا يخفى إنّ كثيراً من المعارف الإلهية قد أودعت وذكرت في الأدعية ولذا فإنّ الأدعية غنيّة جداً, وهنالك مسائل كثيرة يمكن تعلمها من خلال الأدعية.
ففي هذا الدعاء نجد إنّ أوّلية اللَّه جلّ وعلا لم تكن بالمعنى العددي – وهو المعنى المتبادر للأذهان – فهي ناطقة بأزليّة الذات الإلهية المقدسة وكذلك معنى الآخر، فالذات الإلهية هي الآخر (إلاّ إنّ الآخر بلا نهاية) لا إنّ أخريته محدودة وتنتهي إلى نقطة معينة.
ففي أحد الأصول (والكتب) القديمة والذي هو من مؤلفات قدماء الأصحاب وهو دعاء الإخلاص جاء فيه:
«لا إله إلاّ اللَّه الأول بلا أوليّة, لا إله إلاّ اللَّه الآخر بلا نهاية, لا إله إلاّ اللَّه القديم بلا غاية»[34].
وروي عن الإمام الصادق× في ضمن أعمال إنّه قال:
«أنت القديم الأول الّذي لم تزل ولا تزال»[35].
فمن الواضح إنَّ هذه الفقرات كلّها تدل على أزلية وأبدية اللَّه جلّ وعلا.
الحديث الثاني عشر:
نقل عن أميرالمؤمنين× أنّه خطب في مسجد الجامع في البصرة ومن جملة ما قال:
«معاشر المؤمنين والمسلمين إنّ اللَّه عزّ وجلّ أثنى على نفسه فقال >هو الأول< يعني قبل كلّ شيء >والآخر< يعني بعد كلّ شيء >والظاهر< على كلّ شيء >والباطن< لكلّ شيء سواء علمه عليه»[36].
يقول الإمام× في هذه الخطبة إنّ علم اللَّه بالنسبة إلى كلّ شيء على حدّ سواء, وإنَّ علمه نافذ في كلّ شيء وليس هذا النفوذ كما يتصور البشر من نفوذ رائحة الطيب من الأوراد, ولا من مثل نفوذ الماء في التفاح وأمثال ذلك, بل هو بل من باب إحاطة علمه جلّ وعلا بكلّ شيء, أقول: (والإحاطة العلمية أيضاً بمعنى الله تعالى لا يجهل شيئاً , خلافاً للفلسفة التي تقول بإنَّ العلم هو الوجود, ثُمَّ تفسر الإحاطة العلمية أيضاً بالإحاطة الوجودية, المترجم).
نعم، الروايات حول ذلك كثيرة وكلّها تدلّ على ذلك الأمر وتؤكد على أنّ المقصود من الأول والآخر إنّ اللَّه جلّ وعلا أزلي أبدي, لا الأول والآخر العددي (الذي يتبادر في الذهن) فانّ الذات الإلهية منزه عن ذلك.
الظاهر والباطن في كلام الإمام الرضا×:
روي عن الإمام الرضا× إنّه قال في معنى الظاهر والباطن:
>وأمّا الظاهر فليس من أجل إنّه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذُراها, ولكن ذلك لقهرة ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل «ظهرت على أعدائي» و«اظهرني اللَّه على خصمي» يخبر عن الفلج والغلبة، فهكذا ظهور اللَّه على الأشياء<.
ووجه آخر: إنّه الظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء وإنّه مدبر لكلّ ما برأ فأي ظاهر أظهر وأوضح من اللَّه تبارك وتعالى – لأنّك لا تعدم صنعته حيثُمَّا توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأمّا الباطن فليس على معنى الإستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علماً وحفظاً وتدبيراً كقول القائل أبطنته يعني خبّرته وعلمت مكتوم سرّه.
والباطن منا الغائب في الشيء المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى[37].
يقول الإمام× في هذا الحديث إنّ نسبة (الظاهر) إلى اللَّه جلّ وعلا بهذا المعنى وهو إنّ اللَّه غالب على كلّ شيء وليس المقصود إنّه جسم وله شبيه بل المقصود السيطرة والقدرة والغلبة على الأشياء.
والمعنى الثاني(للظاهر) هو إنّه اللَّه ظاهر لكلّ من يريده وليس من شيء أظهر من اللَّه جلّ وعلا، فانّ آثار اللَّه جلّ وعلا ظاهرة في كلّ المخلوقات أقول: (بل كلّ مخلوق فعله وأثره والمراد من كون المخلوقات أثراً لله تعالى هو كونه مخلوق له تعالى لا منشئ ولكنه عند الفلاسفة يكفي التموَّج للبحر حيث يقولون إنَّ الموج أثر من آثار البحر ويصير من أفعاله وتعين من تعيناته لا يكون شيئاً بحياله, المترجم), وفي وجود الإنسان وإنّ ظهوره جلّ وعلا إلى حدّ حيث يقول اللَّه جلّ وعلا :
{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ}[38].
واسم الباطن يطلق أيضاً على اللَّه جلّ وعلا وعلى الممكنات، فالباطن في الممكنات بمعنى نفوذ شيء في شيء وبمعنى الإستتار في الشيء إلاّ أنّ كلّ هذه المعاني لا معنى لها بالنسبة للَّه جلّ وعلا.
والباطن بالنسبة للَّه جلّ وعلا بمعنى إحاطته وسيطرته على كلّ الممكنات. أقول: (بمعنى الله تعالى لا يجهل شيئاً من مخلوقاته ولا يعجز عن شئ, لا أنَّ وجوده تعالى أحاط بوجود الممكنات والمخلوقات, المترجم).
رؤية المفسرين:
لقد ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية كلاماً بعدما كان أكثرهم من المؤمنين بالعقل وكان كلامهم مطابقاً للتعاليم الوحيانية.
تفسير كنز الدقائق:
مؤلف هذا التفسير الشيخ مُحمَّد رضا القمي المشهدي من أعلام القرن الثاني عشر وقد فسرَّ الأول والآخر بهذا الشكل: (هو الأول) السابق على سائر الموجودات من حيث إنّه موجدها ومحدثها.
(والآخر) الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها.
أو (هو الأول) الذي تبتديء منه الأسباب (والآخر) الذي تنتهي إليه المسببات.
أو (هو الأول) خارجاً (والآخر) ذهناً[39].
كما ذكرنا سابقاً المعنى الأول جاء في هذا التفسير هو إنّ اللَّه جلّ وعلا حيث إنّه خالق كلّ الموجودات فهو ليس سابقا عليها فقط وكان قبل وجودها بل هو موجِد لها (لا موجَد) ومحدِث لها (لا محدَث).
ولا يمكن أن يتصور للَّه جلّ وعلا إبتداء أقول: (بل مصاحبة الوقت والزمان, المترجم) وهذا معنى أزلية اللَّه جلّ وعلا.
وحينما يقال «هو الآخر يعني إنّه لا يزال موجوداً بعد فناء الموجودات».
والفناء له ثلاث معان:
1- الفناء والإنعدام.
2- التلاشي والتبدل من حالة إلى حالة.
3- إنّ ذات الأشياء قابلة للفناء وإنْ كانت باقية بإبقاء اللَّه جلّ وعلا.
والذي يلوح للنظر إنّ المعنى الثالث هو مراد صاحب التفسير يعني مع لحاظ ذات الممكنات، فالموجودات فانية ومع قطع النظر عن ذاتها فهي باقية أقول: ( الممكن هو الذي مع إيجاده بإرادة الله تعالى فهو يوجد, وبإبقائه له فهو باق, وبإعدامه تعالى له فهو يعدم ويفنى, المترجم), (بإبقاء اللَّه جلّ وعلا لها وإرادته).
والمعنى الثاني المذكور للأوّل والآخر هو:
إنّ اللَّه جلّ وعلا الأول يعني إنّ وجود كلّ الموجودات في طول سلسلة أسباب وجودها كانت من اللَّه جلّ وعلا واللَّه خالقها وموجِدها من العدم، إذن فاللَّه وحده أزلي لا غير, واللَّه جلّ وعلا الآخر يعني إنّ جميع المسببات والموجودات والتي تقع في سلسلة الإيجاد والفناء كلها تنتهي واللَّه جلّ وعلا وحده هو الباقي والأبدي.
والإبتداء والإنتهاء, أقول: (ومصاحبة الأوقات والأزمان, المترجم) لا معنى له بالنسبة لوجوده جلّ وعلا وذلك لأنّ اللَّه جلّ وعلا ليس من سنخ الموجودات حتَّى تكون له نهاية وغاية . أقول : (وامتداد في طول الزمان ومصاحبة الأوقات, كما قال الإمام المعصوم ×: >ولا تصحبه الأوقات< المترجم).
والمعنى الثالث المذكور للأوّل والآخر هو: إنّ اللَّه هو الأول يعني الأول الحقيقي الذي لا تحقق في الخارج لغيره أقول : (حيث أنَّ كلّ ما يكون غيره تعالى فهو خلقه تعالى الذي أحدثه وأوجده لا من شئ , المترجم) لكن لا بمعنى إنّ له إبتداء في وجوده بل هو قبل كلّ موجود وأزلي في وجوده.
واللَّه هو الآخر يعني الأبدي الذي لا إنتهاء لوجوده. أقول: (والله تعالى لا يصاحب الزمان مطلقاً وليس لوجوده إمتداد زماني, المترجم).
للبحث صلة
[1] – الحديد3 : .
[2] – تفسير القمي،2, 35 .
[3] – أصول الكافي، ج1, ص91 ح 3 ؛ توحيد الصدوق , 283 باب40 ح2 ؛ بحار الأنوار،ج3, 246؛
يقول العلامة المجلسي في مرآة العقول ج1 ص320 ح 3 (إنّ سند هذا الحديث صحيح).
[4] – بحارالأنوار، ج3 , ص264.
[5] ـ أقول: الموجود في كتاب المجلسي أن لا يتعمقوا كثيراً بأفكارهم بل يقتصروا في معرفته سبحانه على ما بيّن لهم , المترجم.
[6] – راجع مرآة العقول، ج1, ص320.
[7] – نهج البلاغة (عبده)، 4, 9 ؛ شرح ابن أبي الحديد ، 18 , 142 ؛ أصول الكافي, ج2, ص392.
[8] – أورد هذه الخطبة الكليني في أصول الكافي، ج2, ص226 ـ 230 كتاب الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته وصفاته بسند صحيح عن عبداللَّه بن داهر عن عبداللَّه بن يونس عن الإمام الصادق× .
[9] – أصول الكافي، ج2, ص238.
[10] – آل عمران : 7 .
[11] – توحيد الصدوق , ص48 ـ 56 , ح 13؛ نهج البلاغة (عبده) :خ 16خطبة الاشباح.
[12] – يقول الإمام الكاظم × لهشام: >يا هشام! مابعث اللَّه أنبيائه ورسله إلى عباده إلاّ ليعقلوا عن اللَّه< يعني إنّ الطريق الآمن ينحصر بأخذ المعارف والحقائق عن طريق الانبياء^.
[13] – ابراهيم :1.
[14] – يقول العلامة المجلسي إنّ سند هذه الرواية صحيح، مرآة العقول, ج2 , ص40 .
[15] – أصول الكافي، ج1, ص115, ح 5 باب معاني الاسماء واشتقاقها ؛ كنزالدقائق،ج13, 71.
[16] – مرآة العقول، ج2, ص40 ـ 41 .
[17] – المصدر السابق.
[18] – أصول الكافي، ج1, ص116, ح46 ؛ توحيد الصدوق, 313 ؛ بحارالأنوار، ج3, ص284.
[19] – مرآة العقول، ج1, ص41 .
[20] – أصول الكافي،ج1, ص20, ح2 ؛ توحيد الصدوق : 186ح2 وفيه في آخره «خالقاً لاوّل الثاني» ؛ بحارالأنوار، ج4, ص176.
[21] – كشف المراد : 382 المقصد الثالث.
[22] – مرآة العقول،ج2, ص55.
[23] – ورد هذا الحديث في الكافي بسند صحيح عن مُحمَّد بن خالد مرفوعا عن الصادق× لكن مضمونه مستفيض نقل عن الصادق× والحديث الخامس الآتي واحد منها.
[24] – أصول الكافي، ج1, ص89, ح4 كتاب التوحيد، باب الكون والمكان؛ بحارالأنوار،ج3,ص336 نقلاً عن المحاسن مع تفاوت يسير؛ تفسير كنزالدقائق، ج13, ص72 .
[25] – أصول الكافي، ج1, ص89, ح 5 .
[26] – في سند هذا الحديث أحمد بن مُحمَّد بن أبي نصر وهو من أصحاب الإجماع وقد نقل الكليني هذه الرواية بسند صحيح والحديث ينتهي سنده إلى الحارث الهمداني.
[27] – أصول الكافي، 142 – 141 :1ح 7باب جوامع التوحيد؛ توحيد الصدوق : 31 ؛ بحارالأنوار، ج 265 :4.
[28] – وردت هذه الفقرة في نهج البلاغة المجلد2ص 120.
[29] – أصول الكافي، ج1, ص129, ح4 ؛ توحيد الصدوق ص37 ؛ بحارالأنوار، ج4, ص305.
[30] – أصول الكافي،ج1, ص134 – 135ح1 ؛ بحارالأنوار، ج4, ص269 ضمن ح15.
[31] -توحيد الصدوق : 73ح 37.
[32] – المصدر السابق ص 78 ح 34 ؛ نهج البلاغة، فيض الإسلام، خ 228 ص 748 ؛ شرح ابن أبي الحديد، ج13, ص 87 , خ 232
[33] – مهج الدعوات , 80 ؛ بحارالأنوار، ج82, ص225 , ح 1
[34] – بحارالأنوار، ج92, ص417 , رقم43.
[35] – مصباح الزائز ,40 ؛ بحارالأنوار ،ج97 , ص411 ذيل رقم 68.
[36] – مناقب آل ابي طالب، ج2, ص205 ؛ بحارالأنوار، ج348 :39.
[37] – أصول الكافي، ج1, ص32 ذيل حديث (2 الطبع الجديد ذيل حديث)321 ؛ توحيد الصدوق, ص189ذيلح2 ؛ بحارالأنوار، ج4 , ص184 .
[38] – إبراهيم : 10.
[39] – تفسير كنز الدقائق، ج13, ص70 .