موقف العلماء وأصحاب الأئمة عليهم السلام
تجاه الفلسفة والعرفان
إن کثيرا من أصحاب الأئمة^ وکذا أعلام علمائنا قدس الله أسرارهم منذ عصر الائمة الهداة^ الی زماننا هذا حذروا المسلمين من العرفان والفلسفة بجميع أطوارها وحکموا ببطلان مباني الفلاسفة والعرفاء وکفر من يعتقد بها ويلتزم بلوازمها وخروجه عن الدين واليک نماذج من ذلک في هذا العدد.
يقول “العلامة الحلّي رحمه الله في “كتاب كشفالحق و نهج الصدق”:
البحث الخامس في أنّه تعالى لا يتحد بغيره: الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد، فإنه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور، فحكموا بأنه تعالى يتحد بأبدان العارفين، حتى تمادى بعضهم وقال: “إنّه تعالى نفس الوجود، وكل موجود فهو اللّه تعالى” وهذا عين الكفر والإلحاد. الحمد للّه الّذي فضّلنا باتّباع أهل البيت دون الأهواء المضلّة.[1]
و يقول العلامة المجلسي ره حول الصوفية:
إنهم لعنهم اللّه لا يقنعون بتلك البدع، بل يحرفون أصول الدين ويقولون بوحدة الوجود، والمعنى المشهور في هذا الزمان المسموع من مشايخهم كفر باللّه العظيم.[2]
و يقول في كتاب “مرآة العقول”:
وزاد المتأخرون عن زمانه | على البدعة في المأكل والمشرب كثيراً من العقائد الباطلة كاتحاد الوجود وسقوط العبادات والجبر وغيرها وأثبتوا لمشايخم من الكرامات ما كاد يربو على المعجزات، وقبايح أقوالهم وأفعالهم وعقايدهم أظهر من أن يخفى على عاقل، أعاذ اللّه المؤمنين من فتنتهم وشرّهم فإنهم أعدى الفرق للإيمان وأهله.[3]
و يقول المقدس الاردبيلي في کتاب “حديقة الشيعه”:
لا بدّ أن يعتقد المؤمن في كلّ حال أنّ القول بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود كفر، وأيضاً لا بدّ أن يعلم الشيعة أنّ الوجه الّذي يقول به الحلولية والاتحادية والوحدتية في ألوهيّتهم وألوهية مشايخهم وسائر الموجودات يقوله النصارى بعينه في ألوهية عيسى عليهالسلام وغلاة الشيعة في ألوهيّة أمير المؤمنين عليهالسلام وبعض آخر من الأئمة عليهمالسلام. ومع هذا إنّ جماعة من غلاة العامة يعدّون الحلاّج الكافر وأشباه ـ الذين يقولون بأنّه تعالى كلّ الأشياء ـ من أكابر أولياء اللّه.[4]
و يقول ايضاً:
وهم قالوا بوحدة الوجود، واعتقادهم: أنّ كلّ إنسان بل كل شيء هو اللّه تعالى شأنه كما أشير اليه، وهم أشدّ كفراً وأعظم خزياً من نمرود وشدّاد وفرعون لاعتقادهم بإلهيّة جميع الأشياء الغير الطاهرة فضلاً عن غيرها، فلو سمّيت تلك الفرقة بـ : الكثرتية كان أبلغ، لمبالغتهم في كثرة الإله بحيث لا يبقى شيء ممّا سوى اللّه تعالى إلاّ ويقولون: إنّه اللّه، وزعموا أنّ الجميع واحد.
وقد ذكر ابن عربي في كتبه من ذلك كثيراً لاسيّما في الفصوص، فقال في الفصّ اللقماني منه: إنّ الإختلاف بيننا وبين الأشاعرة في العبارة.
وقال في الفصّ الموسوي: إنّ فرعون عين الحق إلى آخر ما ذكره.[5]
و يقول العلامه الخويي ـ مؤلف كتاب “منهاج البراعه در شرح نهج البلاغه” ـ بعد ان نقل مطالب[6] من “ابنعربي و “شارح القيصري في “الفص النوحي”[7]:
هذا محصّل كلام هذين الرجسيين النجسين النحسين، وكم لهما في الكتاب المذكور من هذا النمط والاسلوب، فلينظر المؤمن الكيس البصر إلى أنهما كيف موّها الباطل بصورة الحق وأوّلا كلام اللّه تعالى بآرائهم الفاسدة وأحلامهم الكاسده على طبق عقايدهم الباطلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم المختار: من فسّر القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار.
ولعمري أنهما ومن حذا حذوهما حزب الشيطان وأولياء عبدة الطاغوت والأوثان، ولم يكن غرضهما إلا تكذيب الأنبياء والرسل وما جاؤوا به من البينات والبرهان، وهدم أساس الإسلام والإيمان، وإبطال جميع الشرايع والأديان، وترويج عبادة الأصنام، وجعل كلمة الكفر العيا، وخفض كلمة الرحمن.
أقسم باللّه الكريم ـ وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم ـ أنهم المصداق الحقيقي لقول أمير المؤمنين عليهالسلام: اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتّخذهم له أشراكا، فباض وفرخ فيصدورهم، ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم، فركب بهم الذّلل، وزيّن لهم الخطل، فعل من شرّكه الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه.[8]
ومع ذلك فالعجب كل العجب أنهم يزعمون أنهم الموحّدون العارفون الكملون وأنّ غيرهم لمحجوبون وبالحقّ جاهلون، بل يترقى بعضهم ويدّعي الولاية القطبية، ويطغي آخرون فيدعون لأنفسهم الألوهية والربوبية، ويزعمون أن ربهم تجلى فيهم وظهر في صورهم المنحوسة. فيقول ابنعربي في فتوحاته: إن اللّه تجلّى لي مراراً وقال: انصح عبادي.
ويقول البسطامي: “سبحاني ما أعظم شأني” و”لا إله الاّ أنا”، ويقول “الحلاج”: ليس في جبّتي سوى اللّه “، ويقول: “أنا الحق” و”أنا اللّه”، وبعضهم يبلغ الغاية ويجاوز النهاية فيقول ويهجر ويتكلّم تكلّم المجنون الّذي لا يشعر، فيخاطب الرّب عز وجل ـ والعياذ باللّه ـ مخاطبة المواليه للبعيد وهو قطبهم أبو يزيد. وقد نقل عنه “القيصري” في “شرح الفص النوحي” أنّه قال في مناجاته عند تجلّي الحق له: “ملكي أعظم من ملكك لكونك لي وأنا لك، فأنا ملكك وأنت ملكي، وأنت العظيم الأعظم وملكي أعظم من ملكك وهو أنا.
فلينظر العاقل مهملات هذا الجاهل، ثمّ لينظر إلى سوء أدبه وقبح خطابه ومناجاته حيث لم يرفع يده عن الأنانيّة فعبّر بلفظ أنا وأنت غير مرّة في مثل هذا المقام الّذي هو مقام الفناء والتجلّى على زعمهم، وكيف يجتمع ذلك مع قولهم السائر: “بيني وبينك إني ينازعني، فارفع بلطفك إني من البين “؟! وإنّما أطنبنا الكلام تنبيها على ضلالة هذه الجهلة الذين زعموا أنهم من أهل الكشف والشهود واليقين والموحدين المخلصين مع أنّهم من الضالين المكذبين للأنبياء والمرسلين، وتعالى اللّه عما يقول الظالمون والملحدون علوا كبيرا.[9]
و يقول “القاضي سعيد القمي:
القول بأنّ المبدأ هو الوجود بلا شرط و” أمره ” هو الوجود بشرط لا أو بالعكس، والمعلول هو الوجود بشرط شيء، وكذا القول بأنّ المبدأ هو الوجود الشخصي المتشخّص بذاته الواقع في أعلى درجات التشكيك المشتمل على جميع المراتب السافلة، وبالجملة: فالقول بكون المعلول عين العلة بالذات، وغيره بالاعتبارات السلبية، وكذا القول بالجزئية سواء كانت من طرف العلة أو المعلول، أو القول بالأصلية والفرعيّة، والقول بالسنخيّة أو الترشح أو العروض سواء كان الأخير من جهة العلة أو المعلول، والقول بالكمون والبروز وما يضاهي ذلك، على حدّ الشرك والكفر.
وكلّ ذلك تولّد معنوي وتناسل حقيقي وموجب لتهوّد القائل به ومستلزم لتنصّر الذاهب اليه حيث قالت اليهود: ” عزير ابن اللّه ” والنصارى: ” المسيح ابن اللّه “.[10]
و يقول الشيخ حسن “قدس سره” ابن”الشيخ على بن عبدالعالى كركى” رحمهالله في كتاب “عمدة المقال في كفر أهل الضلال”:
والصوفية جوزوا اتحاده تعالى وحلوله في أبدان العارفين حتى تمادى بعضهم وقال: “إنّه سبحانه نفس الوجود وكل موجود فهو اللّه تعالى”، والذين يميلون إلى طريقتهم الباطلة يتعصبون لهم ويسمونهم الأولياء، ولعمري أنهم رؤوس الكفرة الفجرة، وعظماء الزنادقة والملاحدة وكان من رؤوس هذه الطائفة الضالة المضلة “الحسين بن منصور الحلاج” و”أبو يزيد البسطامي”.[11]
يقول الشيخ الحرّ العاملي رحمهالله:
إن بطلان هذا الاعتقاد ( أي وحدة الوجود و… ) من ضروريات مذهب الشعية الإمامية، لم يذهب اليه أحد منهم بل صرحوا بإنكاره، وأجمعوا على فساده، وشنعوا على من قال به، فكل من قال به خرج عن مذهب الشيعة، فلا تصح دعوى التشيع من القائل به، وهو كاف لنا في هذا المقام.[12]
و يقول العلامه الفقيه “شيخ جعفر” “كاشفالغطاء” رحمهالله:
الكفر أقسام: الأول: ما يستحل به المال وتسبى به النساء والأطفال، وهو كفر الإنكار والجحود والعناد والشك..
القسم الثاني: ما يحكم فيه بجواز القتل، ونجاسة السؤر، وحرمة الذبايح والنكاح، من أهل الإسلام، دون السبي والأسر وإباحة المال، وهو كفر من دخل الإسلام وخرج منه بارتداد عن الإسلام، ويزيد الفطري منه في الرجال بإجراء أحكام الموتى، أو كفر نعمة من غير شبهة، أو هتك حرمة، أو سبّ لأحد المعصومين عليهمالسلام، أو بغض لهم: أو بادّعاء قدم العالم بحسب الذات، أو وحدةالوجود، أو الموجود على الحقيقة منهما، أو الحلول أو الاتحاد، أو التشبيه، أو الجمسية…[13]
و يقول في كتاب “كشف الغطا” ايضاً:
الكافر قسمان أولهما: الكافر بالذات وهو كافر باللّه تعالى أو نبيه…
القسم الثاني ما يترتب عليه الكفر بطريق الاستلزام كإنكار بعض الضروريات الإسلامية والمتواترات عن سيّد البرية كالقول بالجبر والتفويض والإرجاء والوعيد وقدم العالم وقدم المجردات والتجسيم والتشبيه بالحقيقة والحلول والاتحاد ووحدة الوجود أو الموجود أو الاتحاد الخ.[14]
و يقول العلامه الوحيد البهبهاني رحمهالله:
لا شك أن هذا الاعتقاد كفر وإلحاد وزندقة ومخالف لضروريّ الدين.[15]
و يقول في موضع آخر:
لا يخفى أن كفرهم أظهر وأعظم من كفر إبليس عند أرباب البصيرة لأنهم ينكرون المغايرة والمباينة بين الخالق والمخلوق، وبطلان هذا القول من الضروريات والبديهيات عند جميع المذاهب والملل.[16]
و يقول آية الله السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله في العروةالوثقى:
القائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام فالأقوى عدم نجاستهم إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد.[17]
و يقول الشيخ “عبدالنبي العراقي” في كتاب “معالمالزلفى”:
إن “وحدة الوجود” يطلق على أنحاء وقد ذكر هادي السبزواري أنها تطلق على أربعة أوجه وجعل بعضها توحيد العوام وبعضها توحيد الخواص وبعضها توحيد خاص الخاص وبعضها توحيد أخص الخواص.
فيا ليت شعري إذا كان الأمر كما يزعمون فمن العابد ومن المعبود؟ ومن الخالق ومن المخلوق؟ ومن الآمر ومن المأمور؟ ومن الناهي ومن المنتهي؟ ومن الراحم ومن المرحوم؟ ومن المثاب ومن المعاقب؟ ومن المعذب ومن المعذب؟ ومن الواجب ومن الممكن؟ إلى غير ذلك من الكفريات الّتي أنكرها الشرايع برمتهم وخلاف ضرورة كل الشرايع. مع أنهم ( أي الصوفية ) طراً قائلين بوحدة الوجود ومعناه: “أن في الخارج ليس إلا وجود واحد وهو عين الأشياء”، ويلزم أن يكون المبدأ عز اسمه عين الحيوانات النجسة، وعين القاذورات وهكذا، تعالى اللّه عما يصف الظالمون، ألا لعنة اللّه على الظالمين. إلى غير ذلك من لوازم المسألة فخذلهم اللّه فأنّى يوفكون، فما قدروا اللّه حق قدره. فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ولذا قال الشيخ قدسسره في طهارته في أمثال المقام بعين العبارة: “إن السيرة المستمرة من الأصحاب قده في تكفير الحكماء المنكرين لبعض الضروريات ولولا يرجع إلى إنكار النبي | “.
فلا ريب في كفر القائل ونجاسته ولو إذا التزموا بأحكام الإسلام إذ ثبوت الكفر في أصول الدين من العقائد الخبيثة الملعونة، والاعتقاد بها والالتزام بها والإذعان لا يفيد الالتزام بأحكام الإسلام لو أراد بها الفروع، ولو أراد بها الاُصول فهما ضدان أو متناقضان كيف يمكن الالتزام وهل الخلف إلا ذلك.
فالأقوى أن القائل بها خارج عن ربقة الإسلام، ورجس ونجس، وقول الماتن ( أي صاحب العروة ) من ذهابه إلى عدم نجاستهم فرض فرضه لا وجود له في الخارج فكأنه قده أراد التستر مع وضوح المسألة ولذا قال: إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم الفاسدة.[18]
و يقول آية الله المحقق الخوئي قدسسره:
القائل بوحدة الوجود إن أراد… من وحدة الوجود ما يقابل الأوّل وهو: أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد، ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة لأنّه في الخالق وخالق، وفي المخلوق مخلوق، كما أنّه في السّماء سماء، وفي الأرض أرض وهكذا، وهذا هو الّذي يقال له توحيد خاص الخاص… وحكى عن بعضهم أنّه قال: “ليس في جبتي سوی اللّه”… فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدّعى اختلافهما بحسب الاعتبار؟! كيف كان فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقه ظاهرة لأنّه إنكار للواجب والنبى | حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلا بالاعتبار وهكذا النبي | وأبو جهل مثلاً متحدان في الحقيقة علی هذا الأساس وانّما يختلفان بحسب الاعتبار.[19]
و يقول آية الله “السيد السبزواري” رحمهالله في “مهذب الاحكام”:
أما القائلون بوحدة الوجود… منها: الوحدة في عين الكثرة أو وحدة الوجود وكثرة الموجود. ولا ريب في أن اللّه تبارك وتعالى منزّه عن هذه التصورات ولكن الظاهر عدم رجوعهما إلى إنكار الضروري. ومنها: الوحدة الواقعية الشخصية بأن يكون اللّه تبارك وتعالى عين الكل والكل عينه تعالى… لا ريب في أنّه إنكار للضروري.[20]
و يقول آية الله “النجفي المرعشي” في تعليقات “احقاق الحق”:
عندي أن مصيبة الصوفية علی الإسلام من أعظم المصائب، تهدمت بها أركانه، وانثلمت بنيانه، وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف علی ما في خبايا مطالبهم والعثور علی مخبيّاتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سری إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم، ثم سری منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم، وعلت رايتهم بحيث ما أبقوا حجرا علی حجر من أساس الدين، اوّلوا نصوص الكتاب والسنة، وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية، والتزموا بوحدة الوجود بل الموجود، وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة علی الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم، والتزامهم بما يسمونه بالذكر الخفي القلبي، شارعا من يمين القلب، خاتما بيساره، معبرا عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة، والتنزّل من القوس الصعودي إلى النزولي اُخری، وبالعكس معبرا عنه بالسفر من الخلق إلى الحق، والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي اُخری، فيا للّه من هذه الطامات…[21]
ويقول اية الله الشيخ محمد جواد الخراساني قدس سره في كتاب “هداية الأمة إلى معارف الأئمة”:
وبعد ذا التّفصيل في إبطالها | ليس مجال الرّيب في ضلالها | |
واتّضح الحقُّ لمن تقبّلهُ | من يضلل اللّه فلا هادي له | |
فاشهد بكفرالقول ان لم تشهد | بكفر بعض من تراه الأوحدي | |
فقل بانّ القول كفر وردي | وشُبّهَ الحقّ علی مَن اهتدي | |
والحق عن تعصُّب لا تدعا | فانّه أحقُّ أن يُتَّبَعا | |
لا تكتُمِ العلمَ ولا الشّهادة | فى حجةٍ ولو على جرادة |
و قال في شرح هذه الاشعار:
وبعد ذا التفصيل في إبطالها أي إبطال مقالة وحدة الوجود، ليس مجال الرّيب في ضلالها، ولعمري! إنّ ظهور كفرها، أظهر من كفر إبليس، واتّضح الحق لمن تقبّله، ولم ينكل عنه، ولكن من يضلل اللّه فلا هادي له، فاشهد بكفر القول خاصة، إن لم تشهد بكفر بعض من تراه الأوحدي، تعلّلاً بأن كفر القول لا يستلزم كفر القائل.
وهذه وصيّة مني لمن ظهر لديه الحق، بأن لا يستنكف عن الحكم بكفر هذه المقالة. فإنّ كثيراً ممّن عرف الحق، وعرف كفرها، يتزلزل في الحكم بكفرها صريحاً، وذلك لأنّهم يرون كثيراً ممّن يذعنون بتشيّعهم، وهم الأوحديّون في العلوم والفنون، قد ابتلوا بهذه الفتنة، ويعظم عليهم تكفير هؤلاء، فيستنكفون عن الحكم الصريح، مخافة أن ينقض عليهم بأمثالهم، أو يشملهم، فكانوا قد استخفوا بإجلالهم وفيهم من يتأبّى عن الشهادة تعصّباً، وذلك أخزى، فيفرق بين الشيعة وغير الشيعة « تلك اذاً قسمة ضيزى »[22]
وقد تكلّفت للأولين سبيلاً للتخلّص عن هذه الوسوسة فقلت: فإن لم تشهد بكفر القائل، فقلت: فقل: بأنّ القول في نفسه، كفر وردی، ولكن شبّه الحق علی من اهتدی، فإنّ الحدود تدرء بالشّبهات. ومع ذلك لي فيه(1) نظر، فانّ شبهة الكفر ليس كسائر الشّبهات ممّا يعذر صاحبها.
وأمّا المتعصّبون، فقد أنذرتهم بقولي: والحق عن تعصّب لا تدعا، فانّه أحقّ أن يتّبعا بأن يراعى حقّه، يعنى أن الحق، أولى بالرّعاية في إظهاره وإعلانه ممّن يدخل في أهل الحق، فيستر عليه بإسراره وكتمانه، فانّ في كتمان الحق ضرر عظيم وفساد كبير، وإظهاره أيضاً، وإن كان يلازم الضّرر، الاّ أنّه أهون، لأنّ ضرره شخصي، وضرر الكتمان نوعيّ، لما فيه من أغراء العوام بالجهل وشيوع بقولي: لا تكتم العلم ولا الشهادة في حجّة ولو علی جرادة، أي ولو كان العلم والشهادة في أمر جرادة، قال اللّه تعالى:
« إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم الّلاعنون »[23] وقال « لا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون »[24] وقال: « واقيموا الشّهادة للّه »[25] وقال: « ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثمّ قلبه »[26] وقال: « ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من اللّه ومااللّه بغافل عمّا تعلمون »[27] وقال: « يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين »[28]
[1] . كشف الحق نهج الصدق، 57
[2] . عين الحياة، تحقيق: رجايى، مهدى، 1 / 90 ـ 91
[3] . مرآة العقول، 4 / 368
۱ . حديقة الشيعه: 575، انتهى كلامه رحمهالله معرّباً
- 2. قال ابن عربي والشارح القيصري في الفصّ النوحي ما حاصل كلامهما: إنّ قوم نوح في عبادتهم للأصنام كانوا محقّين؛ لكونها مظاهر الحق كما أنّ العابدين لها كذلك ؛ لأنّهم أيضاً كانوا مظهر الحقّ وكان الحقّ معهم بل هو عينهم، وكان نوح أيضاً يعلم أنهم على الحقّ إلاّ أنّه أراد على وجه المكر والخديعة أن يصرفهم عن عبادتها إلى عبادته، وإنّما كان هذا مكراً منه7 ؛ لأنه كان يقول لهم ما لم يكن معتقداً به، ويموّه خلاف ما اضمره واعتقده ؛ اذ كان عالماً وعلى بصيرة من ربّه بأنّ الأصنام مظاهر الحق وعبادتها عبادته، إلاّ أنّه عليهالسلام أراد أن يخلّصهم من القيود حتى لا يقصروا عبادتهم فيها فقط بل يعبدوه في كلّ معنى وصورة. ولمّا شاهد القوم منه ذلك المكر أنكروا عليه وأجابوه بما هو أعظم مكراً وأكبر من مكره، فقالوا: لا تتركوا آلهتكم إلى غيرها ؛ لأنّ في تركها ترك عبادة الحق بقدر ما ظهر فيها، وقصر عبادته في سائر المجاليه وهو جهل وغفلة ؛ لانّ للحق في كلّ معبود وجهاً يعرفها العارفون سواء أكان ذلك المعبود في صورة صنم أو حجر أو بقر أو جن أو ملك أو غيرها. فصوص الحكم، الفص النوحي:
- 3. أقول: راجع شرح القيصرى على فصوص الحكم في الفص النوحى: 136 ـ 142 طبع قم، بيدار.
۲ . نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 1 / 228
۱ . منهاج البراعة شرح نهج البلاغة 13 / 176 ـ 177
۲ . شرح توحيد الصدوق رحمه الله، 2 / 66
۱. نقلاً عن الشيخ الحر العاملى في كتاب اثنا عشرية، 51
۴ . العروة الوثقى، 1 / 145، مسأله 199
۱ . معالم الزلفى في شرح العروة الوثقى، 1 / 357.